June 13, 2008

الشعور بالارتياح ليس كاملا.. الشعور بالاسى ليس كاملا


المخدة سجل حياتنا . المسودة الأولية لروايتنا التى كل مساء جديد نكتبها بلا حبر ونحكيها بلا صوت . ولا يسمع بها أحد إلا نحن
هى حقل الذاكرة , وقد تم نبشه وحرثه وتثنيته وعزقه وتخصيبه وريه , فى الظلام الذى يخصنا
ولكل امرىء ظلامه
لكل امرىء حقه فى الظلام
هى الخربشات التى تأتى على البال بلا ترتيب ولا تركيب .المخدة هى محكمتنا القطنية البيضاء , الناعمة الملساء القاسية الأحكام
المخدة هى مساء المسعى
سؤال الصواب الذى لم نهتد إليه فى حينه , والغلط الذى ارتكبناه وحسبناه صوابا
وعندما تستقبل رؤوسنا التى تزدحم فيها الخلائط , مشاعر النشوة والرضا , أو الخسران والحياء من أنفسنا , تصبح المخدة ضميرا وأجراسا عسيرة؟.
إنها أجراس تقرع دائما لنا , ولكن ليس من أجلنا ولا لصالحنا دائما
المخدة هى يوم القيامة اليومى
يوم القيامة الشخصى لكل من لا يزال حيا . يوم القيامة المبكر الذى لا ينتظر موعد دخولنا الأخير إلى راحتنا الأبدية
خطايانا الصغيرة التى لا يحاسب عليها القانون والتى لا يعرفها إلا الكتمان المعتنى به جيدا , تنتشر فى ظلام الليل على ضوء المخدات التى تعرف , المخدات التى لا تكتم الأسرار ولا يهمها الدفاع النائم
جمالنا الخفى عن العيون التى أفسدها التعود والاستعجال , جدارتنا التى ينتهكها القساة والظالمون كل يوم , لا نستردها إلا هنا ولولا أننا نستردها هنا كل ليلة لما استطعنا الاستمرار فى اللعبة . فى الحياة
المخدة لا تدعى شيئا
الميكروفون قد يكذب . الغزل الرقيق , المنابر , الأرقام, الرسائل , التقارير , الواعظ, القائد , الطبيب و ألام قد تكذب
المخدة منسوجة من نسيج الحقيقة و الحقيقة بصفتها سرا قد تواريه حسابات النهار
كم ادعى المهزوم نصرا وصدقه . لكنه يضع رأسه على مخدته الصغيرة فتأتى له بالخبر اليقين حتى وإن أنكره "لم أنتصر"
يقولها لنفسه دون أن ينطق بها .وان لم يجرؤ هو على قولها تجرؤ هى :"لم تنتصر يا هذا" .قد يعاود الظهور بمظهر المنتصر أمام الملأ . قد يؤيده البعض .لكن هذا البعض أيضا سيرتعش تلك الرعشة الباردة عندما يختلى بالنفس , فى مساء مواقفه المحسوبة , ومساء تأييده الملفق
جدارة العمر , إقرار الذات , الشعور بالزهو واعتناق رواية من الروايات دون غيرها , كل هذه التيقنات الأكيدة نهارا , وفى غبار الازدحام الانسانى , وفى حمى المنافسة والصراعات , تحولها مخداتنا إلى فرضيات
المخدة هواجس تطالبنا بأن تمتحن جيدا وبلا رأفة.
لماذا يظن كل شخص فى هذا العالم أن وضعه بالذات هو وضع "مختلف"!؟ هل يريد ابن ادم أن يتميز عن سواه من بنى ادم حتى فى الخسران؟
هل هى أنانية الأنا التى لا نستطيع التخلص منها؟
هل الموتى يطرقون الباب؟
أعلم أن أسهل نشاط بشرى هو التحديق فى أخطاء الآخرين .إن الذى يفتش عن أخطائك لن يجد سواها!
ولهذا أتساءل مع كل انتكاسة نواجهها عن أخطائنا نحن أيضا
فلا يوجد جمهور محايد ..ولا يوجد جمهور برىء تماما ..لكل فرد تجربته الحياتية والإنسانية مهما كانت بسيطة
وهناك حقيقة كنت دائما أرددها "المرء يستطيع إذا أراد"
فمن السهل طمس الحقيقة بحيلة لغوية بسيطة : ابدأ حكايتك من "ثانيا"!
نعم..يكفى أن تبدأ حكايتك من "ثانيا" حتى ينقلب العالم.
ابدأ حكايتك من "ثانيا" تصبح سهام الهنود الحمر هى المجرمة الأصلية , وبنادق البيض هى الضحية الكاملة!
يكفى أن تبدأ حكايتك من "ثانيا" حتى يصبح غضب السود على الرجل الأبيض هو الفعل الوحشى!
يكفى أن تبدأ حكايتك من ثانيا حتى يصبح غاندى هو المسئول عن مآسى البريطانيين !
يكفى أن تبدأ حكايتك من ثانيا حتى يصبح الفيتنامى المحروق هو الذى أساء إلى إنسانية النابالم!
وتصبح أغانى "فكتور هارا" هى العار وليس رصاص "بينوشيت" الذى حصد الآلاف فى استاد سنتياغو!
يكفى أن تبدأ حكايتك من ثانيا حتى يصبح جارك هو المجرم وارييل شارون هو ضحيته!
تلك مقتطفات من كتاب "رأيت رام الله" للكاتب مريد البرغوثى والحائز على جائزة نجيب محفوظ للأدب أروع ما يمكن أن يصف معاناة الشعب الفلسطينى